يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل، أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه كما قال تعالى :﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ ﴾ [ الأنعام : ٨٣ ]، والمقصود أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل أي من قبل ذلك، وقوله :﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ أي وكان أهلاً لذلك، ثم قال :﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله عزّ وجلّ، فقال :﴿ مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ : أي معتكفون على عبادتها، قال ابن أبي حاتم : مرَّ علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفأ خير له من أن يمسها، ﴿ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال، ولهذا قال :﴿ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ أي الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم، فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم، فلما سفه أحلامهم وضلل آباءهم واحتقر آلهتهم ﴿ قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين ﴾ ؟ يقولون : هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعباً أو محقاً فيه فإنها لم نسمع به قبلك. ﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ ﴾ أي ربكم الذي لا إله غيره وهو الذي خلق السماوات والأرض وما حوت من المخلوقات، الذي ابتدأ خلقهن وهو الخالق لجميع الأشياء ﴿ وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين ﴾ أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره ولا رب سواه.