يذكر تعالى عن أيوب عليه السلام ما كان أصابه من البلاء من ماله وولده وجسده؛ وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير وأولاد كثيرة ومنازل مرضية، فابتلي في ذلك كله وذهب عن آخره. وقد روي أنه مكث في البلاء مدة طويلة، ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه : وما ذاك؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل، حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه السلام : ما أدري ما تقول غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق. قال ابن عباس : ورد عليه ماله عياناً ومثلهم معهم، وقال وهب بن منبه : أوحى الله إلى أيوب : قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم، فاغتسل بهذا الماء، فإن فيه شفاءك، وقرب عن صحابتك قرباناً واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك، وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« لما عافى الله أيوب أمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ منه بيده ويجعله في ثوبه قال : فقيل له : يا أيوب أما تشبع؟ قال : يا رب ومن يشبع من رحمتك » وقوله :﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾ قد تقدم عن ابن عباس أنه قال : ردوا علهي بأعينهم، وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته ( رحمة ) ويقال ( ليا ) نبت يعقوب عليه السلام، وقال مجاهد : قيل له : يا أيوب إن أهلك في الجنة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال : لا بل أتركهم في الجنة، فتركوا له في الجنة، وعوض مثلهم في الدنيا، وقوله :﴿ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾ أي فعلنا به ذلك رحمة من الله به ﴿ وذكرى لِلْعَابِدِينَ ﴾ أي وجعلناه في ذلك قدوة لئلا يظن أهل البلاء أنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله، وابتلائه لعباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك.