يقول تعالى مخبراً عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٢٨ ] وقال :﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد ﴾ [ غافر : ٥١ ]، وقال :﴿ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا استخلف الذين مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذي ارتضى لَهُمْ ﴾ [ النور : ٥٥ ]، وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كائن لا محالة، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾. قال مجاهد : الزبور الكتاب، وقال ابن عباس والحسن :﴿ الزبور ﴾ الذي أنزل على داود و ﴿ الذكر ﴾ التوراة، وعن ابن عباس : الذكر والقرآن. وقال سعيد بن جبير : الذكر الذي في السماء، وقال مجاهد : الزبور الكتب، والذكر أم الكتاب عند الله، واختار ذلك ابن جرير رحمه الله، وكذا قال زيد بن أسلم هو الكتاب الأول، وقال الثوري : هو اللوح المحفوظ. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء، والذكر أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك، أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد ﷺ الأرض، ويدخلهم الجنة وهم الصالحون. وقال ابن عباس ﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ قال : أرض الجنة، وقال أبو الدرداء : نحن الصالحون، وقال السدي : هم المؤمنون. وقوله ﴿ إِنَّ فِي هذا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴾ أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد ﷺ ﴿ لَبَلاَغاً ﴾ لمنفعة وكفاية ﴿ لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴾ وهم الذين عبدوا الله فيما شرعه وأحبه ورضيه وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم. وقوله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ يخبر تعالى أن الله جعل محمداً ﷺ رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة، من ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة، كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار ﴾ [ إبراهيم : ٢٨-٢٩ ].
وقال تعالى في صفة القرآن :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [ فصلت : ٤٤ ]. وقال مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة قال : قيل يا رسول الله ادع على المشركين، قال :« إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة »، وفي الحديث الآخر :« إنما أنا رحمة مهداة »، وفي الحديث الذي رواه الطبراني :« إني رحمة بعثني الله ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه، لي خمسة أسماء : أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب ».