يقول تعالى منكراً على الكفار في صدهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام وقضاء مناسكهم فيه، ﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والمسجد الحرام ﴾ أي ومن صفتهم أنهم مع كفرهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام، أي ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين، الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، وقوله :﴿ الذي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد ﴾ أي يمنعون عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله للناس لا فرق بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه، ﴿ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد ﴾، ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها، كما قال ابن عباس : ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام؛ وقال مجاهد :﴿ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد ﴾ أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل، وقال قتادة : سواء فيه أهله وغيره أهله؛ وهذه المسألة هي التي اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهوية بمسجد الخيف وأحمد بن حنبل حاضر أيضاً. فذهب رحمه الله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر، واحتج بحديث الزهري « عن أسامه بن زيد قال، قلت : يا رسول الله أتنزل غداً في دارك بمكة؟ فقال :» وهل ترك لنا عقيل من رباع « ثم قال :» لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر «، وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من ( صفوان بن أمية ) داراً بمكة فجعلها سجناً بأربعة آلاف درهم، وذهب إسحاق بن راهوية إلى أنها لا تورث ولا تؤجر، وهو مذهب طائفة من السلف، واحتج إسحاق بن راهوية بما روي عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن. وقال عبد الله بن عمرو : لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها، وكان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم. وقال عمر بن الخطاب : يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حيث يشاء، وروى الدارقطني عن عبد الله بن عمرو موقوفاً :» من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً «، وتوسط الإمام أحمد فقال : تملك وتورث ولا تؤجر جمعاً بين الأدلة والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ قال بعض المفسرين : الباء هاهنا زائدة، كقوله :﴿ تَنبُتُ بالدهن ﴾ [ المؤمنين : ٢٠ ] أي تنبت الدهن، وكذا قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ ﴾ تقديره إلحاداً. والأجود أنه ضمن الفعل ههنا معنى يهم، ولهذا عداه بالباء فقال :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ ﴾ أي يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار، وقوله :﴿ بِظُلْمٍ ﴾ أي عامداً قاصداً أنه ظلم ليس بمتأول، وقال ابن عباس : بظلم بشرك، وقال مجاهد : أن يعبد فيه غير الله، وكذا قال قتادة وغير واحد.