( قول رابع ) : أنها يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده وهو مذهب أبي حنيفة، وقوله :﴿ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام ﴾ يعني الإبل والبقر والغنم كما فصلها تعالى في سورة الأنعام. وقوله :﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير ﴾ استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي، وهو قول غريب والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب، كما ثبت أن رسول الله ﷺ لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ فأكل من لحمها وحسا من مرقها، وقال مالك أحب أن يأكل من أضحيته، لأن الله يقول :﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾، وقال سفيان الثوري عن إبراهيم ﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾ قال : المشركون لا يأكلون من ذبائحهم، فرخص للمسلمين، فمن شاء أكل ومن لم يشأ لم يأكل. وعن مجاهد في قوله :﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾ قال : هي كقوله :﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا ﴾ [ المائدة : ٢ ] ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض ﴾ [ الجمعة : ١٠ ]، وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره.
وقوله تعالى :﴿ البآئس الفقير ﴾ قال عكرمة : هو المضطر الذي يظهر عليه البؤس وهو الفقير المتعفف. وقال مجاهد : هو الذي لا يبسط يده. وقال قتادة : وقال قتادة : هو الزَّمِن. وقاتل مقاتل : هو الضرير، وقوله :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ ﴾، قال ابن عباس : هو وضع الإحرام من حلق الرأس، ولبس الثياب، وقص الأظافر ونحو ذلك، وقوله :﴿ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ﴾ يعني نحر ما نذر من أمر البدن، وقال مجاهد :﴿ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ﴾ نذر الحج والهدي وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج، وعنه : كل نذر إلى أجل، وقوله :﴿ وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق ﴾ قال مجاهد : يعني الطواف الواجب يوم النحر، وقال أبو حمزة قال، قال لي ابن عباس : أتقرأ سورة الحج، يقول الله تعالى :﴿ وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق ﴾ ؟ فإن آخر المناسك الطواف بالبيت العتيق، قلت : وهكذا صنع رسول الله ﷺ، فإنه لما رجع إلى مِنى يوم النحر بدأ برمي الجمرة، فرماها بسبع حصيات، ثم نحر هديه وحلق رأسه، ثم أفاض فطاف بالبيت، وفي « الصحيحين » عن ابن عباس أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، وقوله :﴿ بالبيت العتيق ﴾، قال الحسن البصري في قوله :﴿ وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق ﴾ قال : لأنه أول بيت وضع للناس، وقال خصيف. إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار قط. وعن مجاهد : لم يرده أحد بسوء إلا هلك، وفي الحديث :« إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار » روي مرفوعاً ومرسلاً.


الصفحة التالية
Icon