يقول تعالى : هذا ﴿ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله ﴾ أي أوامره، ﴿ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب ﴾، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال ابن عباس : تعظيمها استسمانها واستحسانها. وقال أبو أمامة عن سهل : كنَّا نسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمِّنون. وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين »، رواه أحمد وابن ماجه، قالوا : والعفراء - هي اليضاء بياضاً ليس بناصع، فالبيضاء أفضل من غيرها، وغيرها يجزئ أيضاً لما ثبت في « صحيح البخاري » عن أنس « أن رسول الله ﷺ ضحى بكبشين أملحين أقرنين »، وفي « سنن ابن ماجه » عن أبي رافع أن رسول الله ﷺ ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين، وعن علي رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله ﷺ أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة، ولا شرقاء ولا خرقاء؛ وعن البراء قال، قال رسول الله ﷺ :« أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ضلعها، والكسيرة التي لا تنقي »، وهذه العيوب تنقص اللحم لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي، لأن الشاء يسبقونها إلى المرعى، فلهذا لا تجزئ التضحية بها عند الشافعي وغيره من الأئمة كما هو ظاهر الحديث، ولهذا جاء في الحديث : أمرنا النبي ﷺ أن نستشرف العين والأذن أي أن تكون الهدية أو الأضحية سمينة حسنة ثمينة، كما روى عبد الله بن عمر :« أهدي عمر نجيباً فأعطى بها ثلثمائة دينار، فأتى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إني أهديت نجيباً فأعطيت بها ثلثمائة دينار، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدناً؟ قال :» لا، إنحرها إياها « وقال ابن عباس : البدن من شعائر الله، وقال محمد بن أبي موسى : الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والحلق والبدن من شعائر الله؛ وقال ابن عمر : أعظم شعائر البيت.
وقوله :﴿ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ﴾ أي لكم في البدن مافع من لبنها وصوفها وأوبارها وأشعارها وركوبها إلى أجل مسمى، قال مجاهد في قوله :﴿ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ قال : الركوب واللبن والولد، فإذا سميت بدنة أو هدياً ذهب ذلك كله، وقال آخرون : بل له أن ينتفع بها وإن كانت هدياً إذا احتاج إلى ذلك؛ كما ثبت في »
الصحيحين « عن أنس » أن رسول الله ﷺ رأى رجلاً يسوق بدنة قال :« اركبها » قال : إنها بدنة، قال :« اركبها ويحك » في الثانية أو الثالثة «، وفي رواية لمسلم :» اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها « وعن علي أنه رأى رجلاص يسوق بدنه ومعها ولدها، فقال : لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم النحر فاذبحها وولدها، وقوله :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق ﴾ أي محل الهدى وانتهاؤه إلى البيت العتيق وهو الكعبة، كما قال تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ]، وقال :﴿ والهدي مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ [ الفتح : ٢٥ ]. وقال عطاء، كان ابن عباس يقول : كل من طاف بالبيت فقد حل، قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق ﴾.


الصفحة التالية
Icon