قال ابن عباس : نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة، وقال مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف : هذه أول آية نزلت في الجهاد، وقال ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي ﷺ من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن، قال ابن عباس : فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾، قال أبو بكر رضي الله عنه : فعرفت أنه سيكون قتال، زاد أحمد : وهي أول آية نزلت في القتال. وقوله :﴿ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته كما قال :﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ولكن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [ محمد : ٤ ]، وقال تعالى :﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة : ١٤ ]، وقال :﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ]، وقال :﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [ محمد : ٢١ ] والآيات في هذا كثيرة، ولهذا قال ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ وقد فعل، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عدداً، فلو أمر المسلمون وهم أقل بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله ﷺ وكانوا نيفاً وثمانين قالوا :« يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله ﷺ :» إني لم أؤمر بهذا «، فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي ﷺ من بين أظهرهم، وهموا بقتله وشردوا أصحابه، فلما استقروا بالمدينة وصارت لهم دار الإسلام، ومعقلاً يلجئون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى :﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ قال ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمداً وأصحابه، ﴿ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله ﴾ أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب، إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له، كما قال تعالى :﴿ يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ ﴾ [ الممتحنة : ١ ]، وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود :﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد ﴾ [ البروج : ٨ ].
ثم قال تعالى :﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي لولا أنه يدفع بقوم عن قوم، ويكف شرور أناس عن غيرهم، بما يخلقه ويقدره من الأسباب لفسدت الأرض، ولأهلك القوي الضعيف، ﴿ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ﴾ وهي المعابد للرهبان، وقال قتادة : هي معابد الصابئين، وفي رواية عنه : صوامع المجوس، ﴿ وَبِيَعٌ ﴾ وهي أوسع منها وهي للنصارى أيضاً، وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره : أنها كنائس اليهود، وعن ابن عباس : أنها كنائس اليهود، وقوله :﴿ وَصَلَوَاتٌ ﴾ قال ابن عباس : الصلوات كنائس، وكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة : إنها كنائس اليهود وهم يسمونها صلوات، وحكى السدي عن ابن عباس : أنها كنائس النصارى، وقال أبو العالية وغيره : الصلوات معابد الصابئين.


الصفحة التالية
Icon