يقول تعالى مسلياً لنبيه محمد ﷺ في تكذيب من خالفه من قومه ﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ... ﴾ إلى أن قال ﴿ وَكُذِّبَ موسى ﴾ أي ما جاء به من الآيات والدلائل الواضحات، ﴿ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ﴾ أي أنظرتهم وأخرتهم، ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ أي فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟! وذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ] وبين إهلاك الله له أربعون سنة، وفي « الصحيحين » عن أبي موسى عن النبي ﷺ أنه قال :« إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته »، ثم قرأ :﴿ وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [ هود : ١٠٢ ]، ثم قال تعالى :﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾ أي كم من قرية أهلكتها ﴿ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ أي مكذبة لرسلها، ﴿ فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا ﴾، وقال الضحاك : سقوفها، أي قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها، ﴿ وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ ﴾ أي لا يستقي منها ولا يردها أحد، بعد كثرة وارديها والازدحام عليها، ﴿ وَقَصْرٍ مَّشِي ﴾ قال عكرمة : يعني المبيض بالجص، وقال آخرون هو المنيف المرتفع، وقال آخرون : المشيد المنيع الحصين، وكل هذه الأقوال متقاربة، ولا منافاة بينها، فإنه لم يحم أهلَه شدةُ بنائه ولا ارتفاعه ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله بهم، كما قال تعالى :﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ [ النساء : ٧٨ ]، وقوله :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض ﴾ أي بأبدانهم وبفكرهم أيضاً، وذلك للاعتبار، أي انظروا ما حل بالأمم المكبة من النقم والنكال، ﴿ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ أي فيعتبرون بها، ﴿ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور ﴾ أي ليس العمى عمى البصر، وإنما العمى عمر البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفد إلى العبر ولا تدري ما الخير.


الصفحة التالية
Icon