وهذا أيضاً من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه، وأنه يرسل الرياح فتثير سحاباً فيمطر على الأرض الجرز، التي لا نبات فيها وهي هامدة يابسة سوداء ممحلة ﴿ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ ﴾ [ فصلت : ٣٩ ]، وقوله :﴿ فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً ﴾ أي خضراء بعد يبسها ومحولها، ﴿ إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ أي عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها، لا يخفى عليه خافية، كما قال لقمان :﴿ يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا الله إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [ لقمان : ١٦ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، وقوله :﴿ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ أي ملكه جميع الأشياء وهو غني عما سواه، وكل شيء فقير إليه عبد لديه، وقوله :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض ﴾ أي من حيوان وجماد وزروع وثمار كما قال :﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ ﴾ [ الجاثية : ١٣ ] أي من إحسانه وفضله وامتنانه ﴿ والفلك تَجْرِي فِي البحر بِأَمْرِهِ ﴾ أي بتسخيره وتسييره، أي في البحر العجاج وتلاطم الأمواج، تجري الفلك بأهلها بريح طيبة فيحملون فيها ما شاءوا من بضائع ومنافع، من بلد إلى بلد وقطر إلى قطر ﴿ وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ ولهذا قال :﴿ إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي من ظلمهم كما قال في الآية الأخرى ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب ﴾ [ الرعد : ٦ ]، وقوله :﴿ وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ ﴾، كقوله :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ]، وقوله :﴿ قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ [ الجاثية : ٢٦ ]، وقوله :﴿ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين ﴾ [ غافر : ١١ ] ومعنى الكلام كيف تجعلون لله أنداداً وتعبدون معه غيره، وهو المستقل بالخلق، والرزق والتصرف، ﴿ وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ ﴾ أي خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئاً يذكر فأوجدكم، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ أي يوم القيامة، ﴿ إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ ﴾ أي جحود لربه.