﴿ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [ الأنعام : ١٤١ ] ؛ وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٩-١٠ ]، وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا والله أعلم. وقوله :﴿ والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولئك هُمُ العادون ﴾ أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال :﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك ﴾ أي غير الأزواج والإماء ﴿ فأولئك هُمُ العادون ﴾ أي المعتدون. وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة :﴿ والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ قال : فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال الله تعالى :﴿ فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولئك هُمُ العادون ﴾.
وقوله تعالى :﴿ والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ أي إذا أؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله ﷺ :« آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان »، وقوله :﴿ والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ أي يواظبون عليها في مواقيتها كما قال ابن مسعود :« سألت رسول الله ﷺ فقلت : يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال :» الصلاة على وقتها « قلت : ثم أي؟ قال :» بر الوالدين «، قلت : ثم أي؟ قال :» الجهاد في سبيل الله «، وفي » مستدرك « الحاكم قال :» الصلاة في أول وقتها «، وقال ابن مسعود ومسروق في قوله :﴿ والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ يعني مواقيت الصلاة، وقال قتادة : على مواقيتها وركوعها وسجودها، وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة، فدل على أفضليتها كما قال رسول الله ﷺ :» استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤم «. ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال :﴿ أولئك هُمُ الوارثون * الذين يَرِثُونَ الفردوس هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾، وثبت في » الصحيحين « :


الصفحة التالية
Icon