يقول تعالى مخبراً عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين، وهو آدم عليه السلام خلقه الله من صلصال من حمإ مسنون، وقال ابن عباس ﴿ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ قال : من صفوة الماء، وقال مجاهد : من سلالة أي من مني بني آدم، وقال ابن جرير : إنما سمي آدم طيناً لأنه مخلوق منه، وقال قتادة : استل آدم من الطين، وهذا أظهر في المعنى وأقرب إلى السياق، فإن آدم عليه السلام خلق من طين لازب، وهو الصلصال من الحمإ المسنون، وذلك مخلوق من التراب، كما قال تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾ [ الروم : ٢٠ ]، وقال النبي ﷺ :« إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب بين ذلك » ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً ﴾ هذا الضمير عائد على جنس الإنسان، كما قال في الآية الأخرى :﴿ الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ [ السجدة : ٨-٩ ] أي ضعيف كما قال :﴿ إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون ﴾ [ المرسلات : ٢٢-٢٣ ] يعني الرحم معد لذلك مهيأ له، ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً ﴾ أي مدة معلومة وأجل معين، حتى استحكم ونقل من حال إلى حال وصفه إلى صفة، ولهذا قال هاهنا ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً ﴾ أي ثم صيّرنا النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره، وترائب المرأة وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى السرة، فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة، قال عكرمة، وهي دم ﴿ فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً ﴾ وهي قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط ﴿ فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً ﴾ يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها. وفي الصحيح :« كل جسد ابن آدم يبلى إلا عَجْب الذَّنَب، منه خلق وفيه يركب » ﴿ فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ﴾ أي جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه، ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ أي ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار خلقاً آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب ﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾. عن ابن أبي طالب رضي الله عنه قال : إذ أتت على النطفة أربعة أشهر بعث الله إليهاً ملكاً فنفخ فيها الروح في ظلمات ثلاث، فذلك قوله :﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ يعني نفخنا فيه الروح، وقال ابن عباس : يعني فنفخنا فيه الروح؛ واختاره ابن جرير، وقال العوفي عن ابن عباس ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ : يعني ننقله من حال إلى حال، إلى أن خرج طفلاً، ثم نشأ صغيراً، ثم احتلم، ثم صار شاباً، ثم كهلاً، ثم شيخاً، ثم هرماً، وفي الصحيح :


الصفحة التالية
Icon