يخبر تعالى عن نوح عليه السلام أنه دعا ربه ليستنصره على قومه كما قال تعالى مخبراً عنه في الآية الأخرى :﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر ﴾ [ القمر : ١٠ ]، وقال هاهنا :﴿ رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ ﴾، فعند ذلك أمره الله تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها، وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، أي ذكراً وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك، وأن يحمل فيها أهله ﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ ﴾ أي من بق عليه القول بالهلاك، وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله كابنه وزوجته والله أعلم، وقوله :﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ أي عند معاينة إنزال المطر العظيم لا تأخذنك رأفة بقومك وشفقة عليهم، وطمع في تأخيرهم لعلَّهم يؤمنون، فإني قد قضيت أنهم مغرقون على ما هم عليه من الكفر والطغيان، وقد تقدمت القصة مبسوطة في سورة هود بما يغني عن إعادة ذلك هاهنا، وقوله :﴿ فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك فَقُلِ الحمد للَّهِ الذي نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين ﴾، كما قال :﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ﴾ ﴿ وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا ﴾ [ هود : ٤١ ]، فذكر الله تعالى عند ابتداء سيره وعند انتهائه ﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ ﴾ أي إن في هذا الصنيع - وهو إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين - لآيات، أي لحججنا ودلالات واضحات على صدق الأنبياء فيما جاءوا به عن الله تعالى، وأنه تعالى فاعل لما يشاء قادر على كل شيء عليم بكل شيء، وقوله :﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ أي لمختبرين للعباد بإرسال المرسلين.


الصفحة التالية
Icon