يأمر تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالأكل من الحلال، والقيام بالصالح من الأعمال، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح، فقام الأنبياء عليهم السلام بهذا أتم القيام. وجمعوا بين كل خير قولاً وعملاً ودلالة ونصحاً، فجزاهم الله عن العباد خيراً، قال الحسن البصري في قوله :﴿ ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات ﴾ قال : أمَا والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم، ولكن قال : انتهوا إلى الحلال منه. وقال سعيد بن جبير والضحاك ﴿ كُلُواْ مِنَ الطيبات ﴾ : يعني الحلال، وكان عيسى ابن مريم يأكل من غزل مه، وفي الصحيح :« وما من بني إلا رعى الغنم » قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال :« نعم وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة »، وفي الصحيح :« إن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده »، وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« يا أيها الناس إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين »، فقال :﴿ ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾، وقال :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٧٢ ]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟! « وقوله :﴿ وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد، وملة واحدة، وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولهذا قال :﴿ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاتقون ﴾، وقوله :﴿ فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً ﴾ أي الأمم التي بعثت إليهم الأنبياء ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون، ولهذا قال متهدداً لهم ومتوعداً ﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ ﴾ أي في غيهم وضلالهم ﴿ حتى حِينٍ ﴾ أي إلى حين هلاكهم، كما قال تعالى :﴿ فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ [ الطارق : ١٧ ]، وقال تعالى :﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ الحجر : ٣ ].
وقوله تعالى :﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد، لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا، كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم ﴿ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [ سبأ : ٣٥ ] لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاء، ولهذا قال :﴿ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾، كما قال تعالى :﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا ﴾


الصفحة التالية
Icon