يقول تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب ﴾ أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد، ﴿ فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ أي فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة بل استمروا على غيهم وضلالهم، ما استكانوا أي ما خشعوا ﴿ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ أي ما دعوا، كما قال تعالى :﴿ فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الأنعام : ٤٣ ] الآية. عن ابن عباس أنه قال : جاء أبو سفيان إلى رسول الله ﷺ فقال : يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز يعني الوبر والدم - فأنزل الله :﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب فَمَا استكانوا ﴾، وأصله في « الصحيحين » « أن رسول الله ﷺ دعا على قريش حين استعصوا فقال :» اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف « وقوله :﴿ حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾، أي حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة، فأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون، فعند ذلك أبلسوا من كل خير، وأيسوا من كل راحة وانقطعت آمالهم ورجاؤهم، ثم ذكر تعالى نعمه على عباده بأن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة وهي العقول اليت يذكرون بها الأشياء، ويعتبرون بما في الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله، وأنه الفاعل المختار لما يشاء. وقوله :﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ أي ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم، ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر، في برئه الخليقة وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم، ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والآخرين لميقات يوم معلوم، ولهذا قال :﴿ وَهُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ أي يحيي الرمم ويميت الأمم، ﴿ وَلَهُ اختلاف الليل والنهار ﴾ أي وعن أمره تسخير الليل والنهار كل منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً، يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما كقوله :﴿ لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ اليل سَابِقُ النهار ﴾ [ يس : ٤٠ ] الآية، وقوله :﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ أي أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر كل شيء وخضع له كل شيء؟ ثم قال مخبراً عن منكري البعث الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين ﴿ بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون * قالوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلى البلى، ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هذا مِن قَبْلُ إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ يعنون الإعادة محال إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الأولين واختلافهم، وهذا الإنكار والتكذيب منهم كقوله إخباراً عنهم ﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً * قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ [ النازعات : ١١-١٢ ]، ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [ يس : ٧٨-٧٩ ] الآيات.


الصفحة التالية
Icon