« أن رسول الله ﷺ قدم المدينة نهاراً فأناخ بظاهرها وقال :» انتظروا حتى ندخل عشاء - يعني آخر النهار - حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة « وقال قتادة في قوله ﴿ حتى تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ : هو الاستئذان ثلاثاً، فمن لم يؤذن له منهم فليرجع، أما الأولى فليسمع الحي، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا، ولا تقفنّ على باب قوم ردوك عن بابهم، فإن للناس حاجات ولهم أشغال والله أولى بالعذر. وقال مقاتل بن حيان في الآية : كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه، ويقول : حييت صباحاً وحييت مساء، وكان ذلك تحية القوم بينهم، وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه، فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول : قد دخلت ونحو ذلك، فيشق ذلك على الرجل، ولعله يكون مع أهله، فغّير الله ذلك كله في ستر وعفة، وجعله نقياً نزهاً من الدنس والقذر والدرن. فقال تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا ﴾ الآية، وهذا الذي قاله مقاتل حسن، ولهذا قال تعالى :﴿ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ يعني الاستئذان، خير لكم بمعنى هو خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، وقوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾، وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فإن شاء أذن وإن شاء لم يأذن، ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا هُوَ أزكى لَكُمْ ﴾ أي إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده ﴿ فارجعوا هُوَ أزكى لَكُمْ ﴾ أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾. وقال قتادة : قال بعض المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي : ارجع فأرجع وأنا مغتبط، لقوله تعالى :﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا هُوَ أزكى لَكُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ وقال سعيد بن جبير في الآية : أي لا تقفوا على أبواب الناس، وقوله تعالى :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ الآية، هذه الآية الكريمة أخص من التي قبلها وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة كفى، قال ابن عباس :﴿ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾، ثم نسخ واستثنى، فقال تعالى :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ﴾، وقال آخرون : هي بيوت التجار كالخانات ومنازل الأسفار وبيوت مكة وغير ذلك.