وقوله تعالى :﴿ أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء ﴾ يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن، فإذا كان الطفل صغيراً لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء، فأما إن كان مراهقاً أو قريباً منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء، فلا يمكن من الدخول على النساء، وقد ثبت في « الصحيحين » عن رسول الله ﷺ أنه قال :« إياكم والدخول على النساء » قيل : يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال :« الحمو الموت » وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾ الآية، كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت لا يعلم صوتها ضربت برجلها الأرض، فيسمع الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستوراً فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي دخل في هذا النهي، لقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾ إلى آخره، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها، فيشم الرجال فقد قال النبي ﷺ :« كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا » يعني زانية. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي امرأة شم منها ريح الطيب ولذيلها إعصار، فقال : يا أمة الجبار جئت من المسجد؟ قالت : نعم، قال لها : تطيبت؟ قالت : نعم، قال : إني سمعت حبي أبا القاسم ﷺ يقول :« لا يقبل الله صلاة امرأة طيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغسل غسلها من الجنابة » وفي الحديث :« الرأفلة في الزينة من غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها »، ومن ذلك أيضاً أنهن ينهين عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج، فقد روي « عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع النبي ﷺ وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله ﷺ للنساء :» استأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق، عليكن بحافات الطريق «، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به »، وقوله تعالى :﴿ وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أي افعلوا ما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة، فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى عنه والله تعالى المستعان.


الصفحة التالية
Icon