« إن المساجد لم تبن لهذا إنما بنيت لذكر الله والصلاة فيها »، وفي الحديث الثاني :« جنبوا مساجدكم صبيانكم » وذلك لأنهم يلعبون فيه ولا يناسبهم؛ وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى صبياناً يلعبون في المسجد ضربهم بالمخفقة وهي الدرة، وكان يفتش المسجد بعد العشاء فلا يترك فيه أحداً، « ومجانينكم » يعني لأجل ضعف عقولهم، وسخر الناس بهم، فيؤدي إلى اللعب فيها ولما يخشى من تقذيرهم المسجد ونحو ذلك « وبيعكم وشراءكم » كما تقدم، « وخصوماتكم » يعني التحاكم والحكم فيه؛ ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم لا ينتصب لفصل الأقضية في المسجد، بل يكون في موضع غيره لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والألفاظ التي لا تناسبه؛ ولهذا قال بعده :« ورفع أصواتكم ».
وروى البخاري عن السائب بن يزيد الكندي قال : كنت قائماً في المسجد فحصبني رجلن فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال : اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما فقال : من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا : من أهل الطائف، قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ﷺ، وقال النسائي : سمع عمر صوت رجل في المسجد فقال : أتدري أين أنت؟ وقوله :« واتخذوا على أبوابها المطاهر » يعني المراحيض التي يستعان بها على الوضوء وقضاء الحاجة، وقد كانت قريباً من مسجد رسول الله ﷺ آبار يستقون منها فيشربون ويتطهرون ويتوضأون وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي عن ابن عمر : أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله ﷺ كل جمعة، وقد ثبت في « الصحيحين » أن رسول الله ﷺ قال :« صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً. وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلاّ الصلاة لم يخط خطوة إلاّ رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه : اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة »


الصفحة التالية
Icon