وقال عمرو بن دينار الأعور : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد فمررنا بسوق المدينة، وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس فيها أحد، فتلا سالم هذه الآية :﴿ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله ﴾ ثم قال : هم هؤلاء؛ وقال الضحاك : لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها، وقال مطر الوراق : كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة، وقال ابن عباس ﴿ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله ﴾ يقول : عن الصلاة المكتوبة، وقال السدي : عن الصلاة في جماعة، وقال مقاتل بن حيان : لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله، وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها.
وقوله تعالى :﴿ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار ﴾ أي يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار : أي من شدة الفزع وعظمة الأهوال، كقوله :﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ [ إبراهيم : ٤٢ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ﴾ [ الإنسان : ١٠ ]، وقوله تعالى هاهنا :﴿ لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ ﴾ أي هؤلاء من الذين يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم. وقوله :﴿ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ ﴾ أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم كما قال تعالى :﴿ مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ] الآية، وقال :﴿ مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً ﴾ [ البقرة : ٢٤٢ ] الآية، وقال :﴿ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ البقرة : ٢٦١ ]، وقال هاهنا :﴿ والله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾، وعن ابن مسعود أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واحداً واحداً فكلهم لم يشربه لأنه كان صائماً، فتناوله ابن مسعود فشربه لأنه كان مفطراً، ثم تلا قوله :﴿ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار ﴾، وفي الحديث :« إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون وهم قليل، ثم يحاسب سائر الخلائق » وروى الطبراني عن ابن مسعود عن النبي ﷺ في قوله ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ [ فاطر : ٣٠ ] قال : أجورهم يدخلم الجنة، ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة لمن صنع لهم المعروف في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon