يقول تعالى مخبراً عن أهل النفاق الذين كانوا يحلفون للرسول ﷺ لئن أمرتهم بالخروج في الغزو ليخرجن، قال الله تعالى :﴿ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ ﴾ أي لا تحلفوا، وقوله :﴿ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ﴾ قيل : معناه طاعتكم طاعة معروفة، أي قد علم طاعتكم إنما هي قول لا فعل معه، وكلما حلفتم كذبتم، كما قال تعالى :﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ ﴾ [ التوبة : ٩٦ ] الآية. وقال تعالى :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ [ المجادلة : ١٦ ] الآية، فهم من سجيتهم الكذب حتى فيما يختارونه، كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [ الحشر : ١١ ]، وقيل المعنى ﴿ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ﴾ أي ليكن أمركم طاعة معروفة، أي بالمعروف من غير حلف ولا أقسام، كما يطيع الله ورسوله المؤمنون بغير حلف، فكونوا أنتم مثلهم ﴿ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ أي هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي، فالحلف وإظهار الطاعة وإن راج على المخلوق فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى، لا يروج عليه شيء من التدليس، بل هو خبير بضمائر عباده وإن أظهروا خلافها. ثم قال تعالى :﴿ قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول ﴾ أي اتبعوا كتاب الله وسنّة رسوله، وقوله تعالى :﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ أي تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ﴾ أي إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة، ﴿ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾ أي بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه، ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ ﴾ وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيم ﴿ صِرَاطِ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ [ الشورى : ٥٣ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين ﴾، كقوله تعالى :﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب ﴾ [ الرعد : ٢٠ ].


الصفحة التالية
Icon