﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل ﴾ [ النساء : ٢٩ ]، قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل من الأموال، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله :﴿ لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ ﴾ إلى قوله ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾، وكانوا أيضاً يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم في ذلك، فقال :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾، وقال قتادة : كان هذا الحي من ( بني كنانة ) يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن يأكل وحده في الجاهلية، حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل الله :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾ فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة، وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل، كما روي « أن رجلاً قال للنبي ﷺ : إنا نأكل ولا نشبع، قال :» لعلكم تأكلون متفرقين، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه « وعن رسول الله ﷺ أنه قال :» كلوا جميعا ولا تفرقوا، فإن البركة مع الجماعة «.
وقوله تعالى :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ ﴾ يعني فليسلم بعضكم على بعض، وقال جابر بن عبد الله إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله طيبة مباركة، قال ابن جريج : قلت لعطاء : أواجب إذا خرجت ثم دخلت أن أسلم عليهم؟ قال : لا، ولا أثر وجوبه عن أحد، ولكن هو أحب إليَّ، وقال قتادة : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم، وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه كان يؤمر بذلك، وحدثنا أن الملائكة ترد عليه، وقال أنس بن مالك : أوصاني النبي ﷺ بخمس خصال، قال :»
يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك، وسلم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك، وإذا دخلت - يعني بيتك - فسلم على أهلك يكثر خير بيتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوَّابين قبلك، يا أنس ارحم الصغير، ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة « وقوله :﴿ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾. عن ابن عباس أنه كان يقول : ما أخذت التشهد إلاّ من كتاب الله، سمعت الله يقول :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ فالتشهد في الصلاة : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، وقوله :﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ لما ذكر تعالى ما في هذه السور الكريمة من الأحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة، نبه تعالى عباده على أنه يبين لعباده الآيات بياناً شافياً ليتدبروها ويتعقلوها لعلهم يعقلون.


الصفحة التالية
Icon