قال ابن عباس : كانوا يقولون يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عزَّ وجلَّ عن ذلك إعظاماً لنبيه ﷺ، قال : فقولوا يا نبي الله، يا رسول الله، وقال قتادة : أمر الله أن يهاب نبيه ﷺ وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود، وقال مقاتل في قوله :﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ﴾ يقول : لا تسموه إذا دعوتموه يا محمد، ولا تقولوا : يا ابن عبد الله، ولكن شرفوه فقولوا : يا نبي الله، يا رسول الله؛ وهذا كقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ [ الحجرات : ٢ ]، فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي ﷺ والكلام معه عنده، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته، والقول الثاني في ذلك أن المعنى في :﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ﴾ أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا، حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن البصري، والأول أظهر، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً ﴾ قال مقاتل : هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة، فيلوذون ببعض أصحاب محمد ﷺ، حتى يخرجوا من المسجد وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي ﷺ، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل، وقال السدي : كانوا إذا كانوا معه في جماعة لاذ بعضهم ببعض حتى يتغيبوا عنه فلا يراهم، وقال قتادة في قوله ﴿ قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً ﴾ يعني لواذاً عن نبي الله وعن كتابه، وقال سفيان ﴿ قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً ﴾ قال : من الصف، وقال مجاهد في الآية :﴿ لِوَاذاً ﴾ خلافاً، وقوله :﴿ فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ أي أمر رسول الله ﷺ وهو سبيله منهجه وطريقته وسنته وشريعته، كما ثبت في « الصحيحين » وغيرهما عن رسول الله ﷺ أنه قال :« من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد »، أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس و نحو ذلك، كما روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ :« مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال : فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني وتتقحمون فيها ».


الصفحة التالية
Icon