يقول تعالى مخبراً عن سخافة عقول الجهلة من الكفار في قولهم عن القرآن ﴿ إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ ﴾ أي كذب ﴿ افتراه ﴾ يعنون النبي ﷺ ﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴾ أي واستعان على جمعه بقوم آخرين، فقال الله تعالى :﴿ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً ﴾ أي فقد افتروا هم قولاً باطلاً وهم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما زعموه، ﴿ وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها ﴾ يعنون كتب الأوائل أي استنسخها ﴿ فَهِيَ تملى عَلَيْهِ ﴾ أي تقرأ عليه ﴿ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ أي أول النهار وآخره، وهذا الكلام لسخافته وكذبه كل أحد يعلم بطلانه، فإنه قد علم بالتواتر أن محمداً ﷺ لم يكن يعاني شيئاً من الكتابة، لا في أول عمره ولا في آخره، وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه الله نحواً من أربعين سنة، وهم يعرفون مدخله، ومخرجه، وصدقه ونزاهته وبره وأمانته، حتى إنهم كانوا يسمونه في صغره، وإلى أن بعث :( الأمين ) لما يعلمون من صدقه وبره، فلما أكرمه الله بما أكرمه به، نصبوا له العداو، ورموه بهذه الأقوال التي يعلم كل عاقل براءته منها، وحاروا فيما يقذفونه به، فتارة من إفكهم يقولون ساحر، وتارة يقولون شاعر، وتارة يقولون مجنون، وتارة يقولون كذاب، وقال الله تعالى :﴿ انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٤٨ ]. وقال تعالى في جواب ما عاندوا هاهنا وافتروا :﴿ قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض ﴾ الآية : أي أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين ﴿ الذي يَعْلَمُ السر ﴾، أي الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض، ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر، وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾، دعاء لهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار لهم بأن رحمته واسعة وأن حمله عظيم، مع أن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتانهم، يدعوهم إلى التوبة والإقلاع عما هم فيه إلى الإسلام والهدى، كما قال تعالى :﴿ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ المائدة : ٧٤ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق ﴾ [ البروج : ١٠ ]. قال الحسن البصري : انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة.