يقول تعالى مخبراً عن تعنت الكفار في كفرهم وعنادهم في قولهم :﴿ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة ﴾ أي بالرسالة كما تنزل على الأنبياء، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى ﴿ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ الله ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ]، ويحتمل أن يكون مرادهم هاهنا ﴿ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة ﴾ فنراهم عياناً فيخبرونا أن محمداً رسول الله، كقولهم ﴿ أَوْ نرى رَبَّنَا ﴾، ولهذا قالوا ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٩٢ ]، ولهذا قال الله تعالى :﴿ لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً ﴾، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ أي هم يوم يرونهم بشرى يومئذٍ لهم، وذلك يصدق على وقت الاحتضار، حين تبشرهم الملائكة بالنار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه : أخرجي أيتها النفس الخيبثة في الجسد الخبيث، أخرجي إلى سموم وحميم وظل من يحموم، فتأبى الخروج وتتفرق في البدن فيضربونه، كما قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [ فصلت : ٣٠ ]، وفي « الصحيح » عن البراء بن عازب : إن الملائكة تقول لروح المؤمن : أخرجي أيتها النفس الطيبة من الجسد الطيب إن كنت تعمرينه، أخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، وقال آخرون : بل المراد بقوله ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة لاَ بشرى ﴾ يعني يوم القيامة، قاله مجاهد والضحاك وغيرهما، ولا منافاة بين هذا وما تقدم، فإن الملائكة في هذين اليومين - يوم الممات ويوم المعاد - تتجلى للمؤمنين وللكافرين، فنبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران، فلا بشرى يومئذٍ للمجرمين ﴿ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ أي وتقول الملائكة للكافرين : حرام محرم عليكم الفلاح اليوم، وأصل الحجر المنع، ومنه يقال : حجر القاضي على فلان إذا منعه التصرف، إما لسفهٍ أو صغرٍ أو نحو ذلك؛ ومنه يقال للعقل ( حِجْر ) لأنه يمنع صاحبه عن تعاطي ما لا يليق، والغرض أن الضمير في قوله :﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ عائد على الملائكة، هذا قول مجاهد وعكرمة والضحاك واختاره ابن جرير.
وقوله تعالى :﴿ وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ ﴾ الآية، هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر، فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء، وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله، فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل، ولهذا قال تعالى :﴿ وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً ﴾، عن علي رضي الله عنه في قوله ﴿ هَبَآءً مَّنثُوراً ﴾ قال : شعاع الشمس إذا دخل الكوة وكذا قال الحسن البصري : هو الشعاع في كوة أحدكم ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع، وقال ابن عباس هَبَآءً مَّنثُوراً } قال : هو الماء المهراق، قال قتادة : أما رأيت يبس الشجر إذا ذرته الريح؟ فهو ذلك الورق.


الصفحة التالية
Icon