يقول تعالى ممجداً نفسه ومعظماً على جميل ما خلق السماوات من البروج، وهي الكواكب العظام، وقيل : هي قصور في السماء للحرس، والقول الأول أظهر، اللهم إلاّ أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس فيجتمع القولان، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ ﴾ [ الملك : ٥ ] الآية، ولهذا قال تعالى :﴿ تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾ وهي الشمس المنيرة التي هي كالسراج في الوجود، كما قال تعالى :﴿ سِرَاجاً وَقَمَراً ﴾ ﴿ وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾ أي مشرقاً مضيئاً بنور آخر من غير نور الشمس، كما قال تعالى :﴿ هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً ﴾ [ يونس : ٥ ]، وقال :﴿ وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً ﴾ [ نوح : ١٦ ]، ثم قال تعالى :﴿ وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً ﴾ أي يخلف كل واحد منهما الآخر يتعاقبان لا يفتران، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك، كما قال تعالى :﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَآئِبَينَ ﴾ [ إبراهيم : ٣٣ ] الآية، وقال :﴿ يُغْشِي اليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ] الآية وقال :﴿ لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر ﴾ [ يس : ٤٠ ] الآية وقوله تعالى :﴿ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ﴾ أي جعلهما يتعاقبان توقيتاً لعبادة عباده، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل، وقد جاء في الحديث الصحيح :« إن الله عزَّ وجلَّ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل » قال ابن عباس في الآية : من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار، أو من النهار أدركه بالليل، وقال مجاهد وقتادة : خلفه أي مختلفين : أي هذا بسواده وهذا بضيائه.


الصفحة التالية
Icon