هذه صفات عباد الله المؤمنين ﴿ الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً ﴾ أي بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً ﴾ [ الإسراء : ٣٧ ] الآية. وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعاً ورياء، فقد كان سيد ولد آدم ﷺ إذا مشى كأنما ينحطُّ من صَبَب وكأنما الأرض تطوى له، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع، حتى روي عن عمر أنه رأى شاباً يمشي رويداً فقال : ما بالك! أأنت مريض؟ قال : لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدرة، وأمره أن يمشي بقوة، وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار، كما قال رسول الله ﷺ :« إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم منها فصلوا وما فاتكم فأتموا »، وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ أي إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيء لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلاّ خيراً، كما كان رسول الله ﷺ، لا تزيده شدة الجاهل عليه إلاّ حلماً، وكما قال تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾ الآية، وقال مجاهد :﴿ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ : يعني قالوا سداداً، وقال سعيد بن جبير : ردوا معروفاً من القول، وقال الحسن البصري : قالوا سلام عليكم، إن جهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون، ثم ذكر أن ليلهم خير ليل، فقال تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾ أي في طاعته وعبادته، كما قال تعالى :﴿ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ * وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [ الذاريات : ١٧-١٨ ]، وقوله :﴿ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع ﴾ [ السجدة : ١٦ ] الآية، وقال تعالى :﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [ الزمر : ٩ ] الآية، ولهذا قال تعالى :﴿ والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ أي ملازماً دائماً كما قال الشاعر :
إِنْ يُعذّبْ يكنْ غراماً وإن يع | طِ جزيلاً فإنه لا يبالي |