لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة، والأقوال والأفعال الجليلة، قال بعد ذلك كله :﴿ أولئك ﴾ أي المتصفون بهذه ﴿ يُجْزَوْنَ ﴾ يوم القيامة ﴿ الغرفة ﴾ وهي الجنة سميت بذلك لارتفاعها، ﴿ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ أي على القيام بذلك، ﴿ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا ﴾ أي في الجنة ﴿ تَحِيَّةً وَسَلاَماً ﴾ أي يبتدرون فيها بالتحية والإكرام، ويلقون التوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٤ ]، وقوله تعالى :﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أي مقيمين لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون، ولا يزولون عنها ولا يبتغون عنها حولاً، كما قال تعالى :﴿ وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض ﴾ [ هود : ١٠٨ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ أي حسنت منظراً وطابت مقيلاً ومنزلاً، ثم قال تعالى :﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ﴾ أي لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه، فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلاً.
قال ابن عباس : لولا دعاؤكم : أي لولا إيمانكم، وأخبر تعالى الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين. وقوله تعالى :﴿ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾ أيها الكافرون ﴿ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾ أي فسوف يكون تكذيبكم لزاما لكم، يعني مقتضياً لعذابكم وهلاككم ودماركم في الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon