لما قامت الحجة على فرعون بالبيان والعقل، عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه، فظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال فقال :﴿ لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين ﴾، فعند ذلك قال موسى :﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ ﴾ ؟ أي ببرهان قاطع واضح، ﴿ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾ أي ظاهر واضح في غاية الجلاء والوضوح، ذات قوائم وفم كبير وشكل هائل مزعج، ﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ أي من جيبه ﴿ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ أي تتلألأ كقطعة من القمر، فبادر فرعون بشقاوته إلى التكذيب والعناد فقال للمأ حوله :﴿ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ أي بارع في السحر، فروّج عليهم أن هذا من قبيل السحر لا من قبيل المعجزة، ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته والكفر به، فقال :﴿ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ﴾ الآية، أي أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا، فيكثر أعوانه وأنصاره وأتباعه ويغلبكم على دولتكم، فيأخذ البلاد منكم، فأشيروا عليَّ فيه ماذا أصنع به؟ ﴿ قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيم ﴾ أي أخره وأخاه حتى تجمع له من مدائن مملكتك، وأقاليم دولتك كل سحار عليهم يقابلونه، ويأتون بنظير ما جاء به، فتغلبه أنت وتكون لك النصرة والتأييد فأجابهم إلى ذلك، وكان هذا من تسخير الله تعالى، ليجتمع الناس في صعيد واحد، وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة.