ذكر غير واحد من المفسرين : أن فرعون خرج في محفل عظيم وجمع كبير، من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود، ﴿ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ﴾ أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس وهو طلوعها، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان ﴾ أي رأى كل من الفريقين صاحبه فعند ذلك ﴿ قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾، وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر، وهو بحر القلزم فصار أمامهم البحر، وقد أدركهم فرعون بجنوده، فلهذا قالوا :﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون، فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير هاهنا بكم، وهو سبحانه وتعالى لا يخالف الميعاد، وكان هارون عليه السلام في المقدمة، ومعه ( يوشع بن نون ) ومؤمن آل فرعون، وموسى عليه السلام في الساقة، فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر فضربه، وقال : انفلق بإذن الله. وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن سلام : أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال : يا من كان قبل كل شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعد كل شيء، اجعل لنا مخرجاً، فأوحى الله إليه :﴿ أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر ﴾. وقال محمد بن إسحاق : أوحى الله - فيما ذكر لي - إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له، قال : فبات البحر يضطرب ويضرب بعضه بعضاً فرقاً من الله تعالى وانتظاراً لما أمره الله، وأوحى الله إلى موسى ﴿ أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر ﴾ فضربه بها، ففيها سلطان الله الذي أعطاه فانفلق، قال الله تعالى :﴿ فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ﴾ أي كالجبل الكبير، قاله ابن عباس، وقال عطاء الخراساني : هو الفج بين الجبلين. وقال ابن عباس : صار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق؛ وزاد السدي : وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض، قال الله تعالى :﴿ فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى ﴾ [ طه : ٧٧ ]، وقال في هذه القصة ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين ﴾ أي هنالك. قال ابن عباس ﴿ وَأَزْلَفْنَا ﴾ أي قربنا من البحر فرعون وجنوده وأدنيناهم إليه، ﴿ وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين ﴾ أي أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم فلم يهلك منهم أحد، وأغرق فرعون وجنوده فلم يبق منهم رجل إلاّ هلك. عن عبد الله ابن مسعود قال : فلما خرج آخر أصحاب موسى وتكامل أصحاب فرعون انطم عليهم البحر، فما رئي سواد أكير من يومئذٍ، وغرق فرعون لعنه الله، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ أي في هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين لدلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم ﴾ تقدم تفسيره.