﴿ وَأُزْلِفَتِ الجنة ﴾ أي قربت وأدنيت من أهلها مزخرفة مزينة لناظريها، وهم المتقون الذين رغبوا فيها وعملوا لها في الدنيا، ﴿ وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ ﴾ أي أظهرت وكشف عنها، وبدت منها عنق فزفرت زفرة بلغت منها القلوب الحناجر، وقيل لأهلها تقريعاً وتوبيخاً :﴿ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ الله هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ﴾ ؟ أي ليست الآلهة التي عبدتموها من دون الله من تلك الأصنام والأنداد تغني عنكم اليوم شيئاً، ولا تدفع عن أنفسها، فإنكم إياها اليوم حصب جهنم أنتم لها واردون، وقوله :﴿ فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاوون ﴾ قال مجاهد : يعني فدهوروا فيها، والمراد أنه لها واردون، وقوله :﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾ قال مجاهد : يعني فدهوروا فيها، والمراد أنه ألقي بعضهم على بعض من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك، ﴿ قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العالمين ﴾ أي ألقوا فيها عن آخرهم، ﴿ قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العالمين ﴾ أي يقول الضعفاء للذين استكبروا وقد عادوا على أنفسهم بالملامة :﴿ تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العالمين ﴾ أي نجعل أمركم مطاعاً كما يطاع أمر رب العالمين وعبدناكم مع رب العالمين، ﴿ وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ المجرمون ﴾ أي ما دعانا إلى ذلك إلاّ المجرمون، ﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ﴾ قال بعضهم يعني من الملائكة، كما يقولون ﴿ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ] ؟ وكذا قالوا :﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ أي قريب، قال قتادة : يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحاً نفع، وأن الحميم إذا كان صالحاً شفع ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين ﴾، وذلك أنهم يتمنون أنهم يردون إلى دار الدنيا ليعملوا بطاعة ربهم فيما يزعمون، والله تعالى يعلم أنهم لو رادوا إلى دار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، وقد أخبر الله تعالى عن تخاصم أهل النار، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي إن في محاجة إبراهيم لقومه وإقامة الحجج عليهم في التوحيد ﴿ لآيَةً ﴾ أي لدلالة واضحة جلية على أن لا إله إلاّ الله، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم ﴾.


الصفحة التالية
Icon