يقول تعالى مخبراً عن جواب قوم هود له، بعدما حذرهم وأنذرهم وبيَّن لهم الحق ووضحه ﴿ قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين ﴾ أي لا نرجع عما نحن عليه، ﴿ وَمَا نَحْنُ بتاركي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٥٣ ] وهكذا الأمر، فإن الله تعالى قال :﴿ إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ يونس : ٩٦ ] الآية، وقولهم ﴿ إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين ﴾، كما قال المشركون، ﴿ وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٥ ]، وقال : وقيل للذين كفروا ﴿ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ [ النحل : ٢٠ ] ﴿ خُلُقُ الأولين ﴾ بضم الخاء واللام. يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأولين من الآباء والأجداد. ونحن تابعون لهم سالكون وراءهم نعيش كما عاشوا ونموت كما ماتوا ولا بعث ولا معاد. ولهذا قالوا ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾، قال ابن عباس :﴿ إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين ﴾ يقول : دين الأولين، وقوله تعالى :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ أي استمروا على تكذيب نبي الله هود مخالفته وعناده فأهلكهم الله، وقد بيَّن سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن، بأنه أرسل عليهم ريحاً صرصراً عاتية، أي ريحاً شديدة الهبوب ذات برد شديد جداً، فكان سبب إهلاكهم من جنسهم، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره، فسلط عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة، كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد ﴾ [ الفجر : ٦-٧ ]، وقال تعالى :﴿ فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا ﴾ [ فصلت : ١٥ ] فسلكت الريح فحصبت بلادهم، فحصبت كل شيء لهم كما قال تعالى :﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾ [ الأحقاف : ٢٥ ] الآية، وقال تعالى :﴿ وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٦ ] إلى قوله :﴿ فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٧ ] أي بقوا أبداناً بلا رؤوس، وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخ دماغه، وتكسر رأسه، وتلقيه، كأنهم أعجاز نخل منقعر، وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئاً، ﴿ إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ ﴾ [ نوح : ٤ ]، ولهذا قال تعالى :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon