يقول تعالى مخبراً عن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد : أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين ﴾، ثم ذكر أنه يمتنع عليهم ذلك من ثلاثة أوجه : أحدها أنه ما ينبغي لهم لأن سجاياهم الفساد، وإضلال العباد، وهذا فيه نور ووهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة، ولهذا قال تعالى :﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ ﴾، وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ أي ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك، ثم بين أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته لما وصلوا إلى ذلك، لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله، لأن السماء ملئت حرساً شديداً وشهباً في مدة إنزال القرآن على رسول الله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه لئلا يشتبه الأمر، وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله، ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾ كما قال تعالى مخبراً عن الجن ﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ﴾ [ الجن : ٩ ].