قال محمد بن إسحاق : فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت : قد والله عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة، وما نصنع بمكابرته شيئاً، وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك وما توعدنا إليه من دينك، ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه، وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات، ثم أقفلت عليه الأبواب. ثم قالت : لمان خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله، ولا يرينه أحد حتى آتيك، ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف فجعل سلميان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة، حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال :﴿ ياأيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾. وقال قتادة : لما بلغ سليمان أنها جائية وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه، وكان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وجوهر، وكان مستراً بالديباج والحرير، وكانت عليه تسعة مغاليق فكره أن يأخذه بعد إسلامهم، وقد علم نبي الله أنهم متى أسلموا تحرم أموالهم ودماؤهم، فقال :﴿ ياأيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾، وهكذا قال عطاء الخراساني والسدي ﴿ قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ فتحرم علي أموالهم بإسلامهم، ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن ﴾ أي مارد من الجن، ﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ قال ابن عباس : يعني قبل أن تقوم من مجلسك، وقال مجاهد : مقعدك، وقال السدي وغيره : كان يجلس للناس للقضاء والحكومات من أول النهار إلى أن تزول الشمس، ﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ قال ابن عباس : أي قوي على حمله ﴿ أَمِينٌ ﴾ على ما فيه من الجوهر، فقال سليمان عليه السلام : أريد أعجل من ذلك، ومن هاهنا يظهر أن سليمان أراد بإضحار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك، وما سخر له من الجنود الذي لا يعطه أحد قبله، ولا يكون لأحد من بعده، وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها، لأن هذا خارق عظيم، أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه، هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة، فلما قال سليمان أريد أعجل من ذلك، ﴿ قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب ﴾ قال ابن عباس : وهو ( آصف ) كاتب سليمان عليه السلام.
وكذا روي عن يزيد بن رومان أنه ( آصف بن برخياء ) وكان صدّيقاً يعلم الاسم الأعظم، وقال قتادة : كان مؤمناً من الإنس واسمه آصف من بني إسرائيل، وقوله :﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ أي ارفع بصرك وانظر فإنه لا يكل بصرك إلاّ وهو حاضر عندك، وقال وهب بن منبه : امدد بصرك فلا يبلغ مداه حت آتيك به، ثم قام فتوضأ ودعا الله تعالى، قال مجاهد : قال يا ذا الجلال والإكرام.