لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً ﴾ يعني ذلك القبطي، ﴿ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ أي إذا رأوني، ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً ﴾ وذلك أن موسى عليه السلام كان في لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة، فحصل فيه شدة في التعبير، ولهذا قال :﴿ واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي ﴾ [ طه : ٢٧-٢٨ ] ﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً ﴾ أي وزيراً ومعيناً ومقوياً لأمري، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عزَّ وجلَّ، لأن خبر الاثنين أنجع في النفوس من خبر الواحد، ولهذا قال :﴿ إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾، وقال محمد بن إسحاق :﴿ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ﴾ أي يبين لهم غني ما أكلمهم به فإنه عني ما لا يفهمون، فلما سأل ذلك موسى، قال الله تعالى :﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ﴾ أي سنقوي أمرك ونعز جانبك بأخيك، الذي سألت له أن يكون نبياً معك، كما قال في الآية الأخرى :﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى ﴾ [ طه : ٣٦ ]. ولهذا قال بعض السلف : ليس أحد أعظم منه على أخيه من ( موسى ) على ( هارون ) عليهما لسلام، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبياً ورسولاً، ولهذا قال تعالى في حق موسى ﴿ وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً ﴾ [ الأحزاب : ٦٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً ﴾ أي حجة قاهرة ﴿ فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ ﴾ أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله، كما قال تعالى :﴿ ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾ [ المائدة : ٦٧ ] - إلى قوله - ﴿ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والآخرة فقال تعالى :﴿ أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون ﴾، كما قال تعالى :﴿ كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [ المجادلة : ٢١ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا ﴾ [ غافر : ٥١ ] إلى آخر الآية.


الصفحة التالية
Icon