يقول تعالى مخبراً عما يوبخ به المشركين يوم القيامة حيث يناديهم فيقول :﴿ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ ؟ يعني : أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدنيا، من الأصنام والأنداد هل ينصرونكم أو ينتصرون؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد كما قال تعالى :﴿ وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الذين زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ]، وقوله :﴿ قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول ﴾ يعني الشياطين والمردة والدعاة إلى الكفر ﴿ رَبَّنَا هؤلاء الذين أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ فشهدوا عليهم أنهم أغووهم فاتبعوهم، ثم تبرأوا من عبادتهم، كما قال تعالى :﴿ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾ [ مريم : ٨٢ ]، وقال تعالى :﴿ وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [ الأحقاف : ٦ ]، وقال الخليل عليه السلام لقومه ﴿ ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ [ العنكبوت : ٢٥ ] الآية، وقال الله تعالى :﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا ﴾ [ البقرة : ١٦٦ ] الآية، ولهذا قال :﴿ وَقِيلَ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ﴾ أي ليخلصوكم مما أنتم فيه كما كنتم ترجون منهم في الدار الدنيا، ﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ العذاب ﴾، أي وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار لا محالة، وقوله :﴿ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ ﴾ أي فودُّوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين في الدنيا، وهذا كقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الذين زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً * وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً ﴾ [ الكهف : ٥٢٥٣ ]، وقوله :﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ المرسلين ﴾ النداء الأول سؤال عن التوحيد، وهذا عن إثبات النبوات، ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم، وكيف كان حالكم معهم؟ وهذا كما يسأل العبد في قبره : من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأما الكافر فيقول : هاه هاه لا أدري، ولهذا لا جواب له يوم القيامة غير السكوت، لأن من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، ولهذا قال تعالى :﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبآء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ قال مجاهد : فعميت عليهم الحجج فهم لا يتساءلون بالأنساب، وقوله :﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ أي في الدنيا ﴿ فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين ﴾ أي يوم القيامة، و ( عسى ) من الله موجبة، فإن هذا واقع بفضل الله ومنته لا محالة.