يقول تعالى مخبراً عن جواب قارون لقومه حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير ﴿ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي ﴾ أي أنا لا أفتقر إلى ما تقولون، فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني استحقه ولمحبته لي، فتقديره إنما أعطيته لعلم الله فيَّ أني أهل له، وهذا كقوله تعالى :﴿ فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ ﴾ [ الزمر : ٤٩ ] أي على علم من الله بي، وقد روي عن بعضهم أنه أراد ﴿ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي ﴾ أي أنه كان يعاني علم الكيمياء وهذا القول ضعيف لأن علم الكيمياء في نفسه علم باطل، لأن قلب الأعيان لا يقدر أحد عليه إلاّ الله عزَّ وجلَّ، وقال بعضهم : إن قارون كان يعرف الاسم الأعظم فدعا الله به فتمول بسببه، والصحيح المعنى الأول، ولهذا قال الله تعالى راداً عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً ﴾ ؟ أي قد كان من هو أكثر منه مالاً، وما كان ذلك عن محبة منا له، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم، ولهذا قال :﴿ وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون ﴾ أي لكثرة ذنوبهم، قال قتادة ﴿ على عِلْمٍ عندي ﴾ على خيرٍ عندي، وقال السدي : على علم أني أهل لذلك، وقد أجاد في تفسير هذه الآية الإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فإنه قال في قوله :﴿ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي ﴾ قال : لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال، وقرأ :﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً ﴾ الآية، وهكذا يقول من قلَّ علمه إذا رأى من وسع الله عليه، لولا أنه يستحق ذلك لما أعطي.