وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ أي لا تليق العبادة إلاّ له ولا تنبغي الإليهة إلاّ لعظمته، وقوله :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ إخبارٌ بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت، كما قال تعالى :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام ﴾ [ الرحمن : ٢٦-٢٧ ] فعبر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله هاهنا :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ أي إلاّ إياه، وقد ثبت في الصحيح :« أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل »
وقال مجاهد والثوري في قوله :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ أي إلاّ ما أريد به وجهه، وهذا القول لا ينافي القول الأول، فإن هذا إخيار عن كل الأعمال بأنها باطلة، إلاّ ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة، والقول مقتضاه أن كل الذوات فانية وزائلة إلاّ ذاته تعالى وتقدس، فإنه الأول والآخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء، وكان ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين : فيقول أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾، وقوله :﴿ لَهُ الحكم ﴾ أي الملك والتصرف ولا معقب لحكمه ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.