يقول تعالى :﴿ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ الله ﴾ أي في الدار الآخرة وعمل الصالحات، ورجا ما عند الله من الثواب الجزيل، فإن سيحقق له رجاءه، ويوفيه عمله كاملاً موفراً، فإن ذلك كائن لا محالة لأنه سميع الدعاء، بصير بكل الكائنات. ولهذا قال تعالى :﴿ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ وَهُوَ السميع العليم ﴾، وقوله تعالى :﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾، كقوله تعالى :﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ﴾ [ فصلت : ٤٦ ] أي من عمل صالحاً فإنما يعود نفع عمله على نفسه، فإن الله تعالى غني عن العباد ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل منهم، ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين ﴾. قال الحسن البصري : إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوماً من الدهر بسيف، ثم أخبر تعالى أنه مع غناه عن الخلائق جميعهم، ومع بره وإحسانه بهم، يجازي الذين آمنوا وعلموا الصالحات أحسن الجزاء، وهو أنه يكفِّر عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذين كانوا يعملون، فيقبل القليل من الحسنات ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ويجزي على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ٤٠ ]، وقال هاهنا :﴿ والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾.