يقول تعالى مخبراً عن الخليل عليه السلام، أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه، بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً، ثم وجدوا وصاروا أناساً سامعين مبصرين، فالذي بدأ هذا قادر على إعادته، فإنه سهل عليه يسير لديه؛ ثم أرشدهم إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة من خلق الله الأشياء : السماوات وما فيها من الكواكب النيرة، والأرضين وما فيها من مهاد وجبال، وأودية وبراري وقفار، وأشجار وأنهار، وثمار وبحار، كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها، وعلى وجود صانعها الفاعل المختار، الذي يقول للشيء كن فيكون، ولهذا قال :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ الله الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ ﴾، كقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ١٧ ] ثم قال تعالى :﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق ثُمَّ الله يُنشِىءُ النشأة الآخرة ﴾ ثم يوم القيامة، ﴿ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، وهذا المقام شبه بقوله تعالى :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق ﴾ [ فصلت : ٥٣ ]، وكقوله تعالى :﴿ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون * أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض بَل لاَّ يُوقِنُونَ ﴾ [ الطور : ٣٥٣٦ ]، وقوله تعالى :﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ ﴾ أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله الخلق والأمر لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة، كما جاء في الحديث :« إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم »، ولهذا قال تعالى :﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ أي ترجعون يوم القيامة، وقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء ﴾ أي لا يعجزه أحد من أهل سماواته وأرضه، بل هو القاهر فوق عباده، فكل شيء خائف منه فقير إليه وهو الغني عما سواه ﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ * والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله وَلِقَآئِهِ ﴾ أي جحدوها وكفروا بالمعاد، ﴿ أولئك يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي ﴾ أي لا نصيب لهم فيها، ﴿ وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي موجع شديد في الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon