يقول تعالى مخبراً عن قدرته العظيمة أنه خلق السماوات والأرض بالحق، يعني لا على وجه العبث واللعب ﴿ لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى ﴾ [ طه : ١٥ ]، ﴿ لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى ﴾ [ النجم : ٣١ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي لدلالة واضحة على أنه تعالى المتفرد بالخلق والتدبير والإلهية، ثم قال تعالى آمراً رسوله والمؤمنين بتلاوة القرآن وهو قراءته وإبلاغه للناس، ﴿ وَأَقِمِ الصلاة إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ ﴾ يعني أن الصلاة تشتمل على شيئين على ترك الفواحش والمنكرات، أي مواظبتها تحمل على ترك ذلك، وقد جاء في الحديث عن ابن عباس مرفوعاً :« من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلاّ بعداً ».
( ذكر الآثار الواردة في ذلك )
روى ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين قال :« سئل النبي ﷺ عن قول الله ﴿ إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر ﴾ ؟ قال :» من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له « »، وعن ابن عباس، قال رسول الله ﷺ :« من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلاّ بعداً » وروى الحافظ أبو بكر البزار قال، « قال رجل للنبي ﷺ : إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، وقال :» إنه سينهاه ما تقول « »، وتشتمل الصلاة أيضاً على ذكر الله تعالى هو المطلوب الأكبر، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ ﴾ أي أعظم من الأول ﴿ والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ أي يعلم جميع أعمالكم وأقوالكم، وقال أبو العالية : إن الصلاة فيها ثلاث خصال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة : الإخلاص، والخشية، وذكر الله، فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله ( القرآن ) يأمره وينهاه، وقال ابن عون الأنصاري : إذا كنت في صلاة فأنت في معروف وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر، وعن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ ﴾ يقول : ولذكر الله لعباده أكبر إذا ذكروه من ذكرهم أياه، وعن عبد الله بن ربيعة قال، قال لي ابن عباس : هل تدري ما قوله تعالى :﴿ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ ﴾ ؟ قال، قلت : نعم، قال : فما هو؟ قلت : التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك، قال : لقد قلت قولاً عجيباً وما هو كذلك، ولكنه إنما يقول : ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم أياه، وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس، واختاره ابن جرير.


الصفحة التالية
Icon