قال قتادة وغير واحد : هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولم يبق معهم مجادلة، وإنما هو الإسلام أو الجزية أو السيف، وقال آخرون : بل هي باقية محكمة لمن أراد الاستبصار منهم في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن، ليكون أنجع فيه، كما قال تعالى :﴿ ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾ [ النحل : ١٢٥ ] الآية. وهذا القول اختاره ابن جرير، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ أي حادوا عن وجه الحق، وعموا عن واضح المحجة، وعاندوا وكابروا، فحينئذٍ ينتقل من الجدال إلى الجلاد، ويقاتلون بما يمنعهم ويردعهم، قال جابر : أمرنا من خالف الله أن نضربه بالسيف، قال مجاهد :﴿ إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ يعني أهل الحرب ومن امتنع منهم من أداء الجزية، وقوله تعالى :﴿ وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ يعني إذا أخبروا بما لا نعلم صدقه ولا كذبه فهذا لا نقدم على تكذيبه لأنه قد يكون حقاً ولا تصديقه فلعله أن يكون باطلاً، ولكن نؤمن به إيماناً مجملاً، أخرج البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :« كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإِسلام، فقال رسول الله ﷺ :» لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ﴿ وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ « وروى ابن جرير عن ( عبد الله بن مسعود ) قال : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلاّ وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال، وروى البخاري عن ابن عباس قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله ﷺ أحدث، تقرأونه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم. وحدّث معاوية رهطاً من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار، فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب.


الصفحة التالية
Icon