يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعنتهم، وطلبهم آيات يعنون تشردهم إلى أن محمداً رسول الله، كما أتى صالح بناقته، قال الله تعالى :﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله ﴾ أي إنما أمر ذلك إلى الله، فإنه لو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم، لأن هذا سهل عليه يسير لديه، ولكنه يعلم منكم أنكم إنما قصدتم التعنت والامتحان، فلا يجيبكم إلى ذلك، كما قال تعالى :﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا ﴾ [ الإِسراء : ٥٩ ]، وقوله :﴿ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ بعثت نذيراً لكم فعلي أن أبلغكم رسالة الله تعالى، و ﴿ مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي ﴾ [ الأعراف : ١٧٨ ]، ثم قال تعالى مبيناً كثرة جهلهم وسخافة عقلهم، حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد ﷺ فيما جاءهم، وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي هو أعظم من كل معجزة، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته، بل عن معارضة سورة منه، فقال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ أي أو لم يكفهم أية أنا أنزلنا عليك الكتاب العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم ونبأ ما بعدهم وحكم ما بينهم، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ولم تخالط أحداً من أهل الكتاب، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ببيان الصواب مما اختلفوا فيه، وبالحق الواضح البين الجلي، كما قال تعالى :﴿ أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الشعراء : ١٩٧ ]، وقال تعالى :﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى ﴾ [ طه : ١٣٣ ] وفي الصحيح عنه ﷺ :« ما من الأنبياء من نبي إلاّ قد أعطي من الآيات مثله آمن عليه الشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة » وقد قال تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذلك لَرَحْمَةً وذكرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي إن في هذا القرآن ﴿ لَرَحْمَةً ﴾ أي بياناً للحق وإزاحة للباطل ﴿ وذكرى ﴾ بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون، ثم قال تعالى :﴿ قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ﴾ أي هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني، فلو كنت كاذباً عليه لانتقم مني، كما قال تعالى :﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل * لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٤-٤٧ ]، وإنما أنا صادق عليه فما أخبرتكم به، ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السماوات والأرض ﴾ أي لا تخفى عليه خافية، ﴿ والذين آمَنُواْ بالباطل وَكَفَرُواْ بالله أولئك هُمُ الخاسرون ﴾ أي يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا ويقابلهم على ما صنعوا، في تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل، كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل، فسيجزيهم على ذلك إنه حكيم عليم.