يقول تعالى مخبراً عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها، وأنها لا دوام لها وغاية ما فيها لهو ولعب ﴿ وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان ﴾ أي الحياة الدائمة، الحق الذي لا زوال له ولا انقضاء، بل هي مستمرة أبد الآباد، وقوله تعالى :﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ أي لآثروا ما يبقى على ما يفنى. ثم أخبر تعالى عن المشركين أنهم عند الاضطرار يدعونه وحده لا شريك له، فلا يكون هذا منهم دائماً ﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾، كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ ﴾ [ الإِسراء : ٦٧ ] الآية، وقال هاهنا :﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾. وقد ذكر محمد ابن إسحاق عن ( عكرمة بن أبي جهل ) أنه لما فتح رسول الله ﷺ مكة، ذهب فاراً منها، فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة اضطربت بهم السفينة، فقال أهلها : يا قوم أخلصوا لربكم الدعاء، فإنه لا ينجي هاهنا إ لاّ هو، فقال عكرمة : والله لئن كان لا ينجي في البحر غيره فإنه لا ينجي في البر أيضاً غيره، اللهم لك عليَّ عهد لئن خرجت لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد، فلأجدنه رؤوفاً رحيماً، فكان كذلك، وقوله تعالى :﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ ﴾ هذه اللام ( لام العاقبة ) لأنهم لا يقصدون ذلك ولا شك أنها كذلك بالنسبة إليهم، وأما بالنسبة إلى تقدير الله عليهم ذلك، وتقييضه إياهم لذلك فهي لام التعليل، وقد قدمنا تقرير ذلك في قوله :﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [ القصص : ٨ ].