يقول تعالى منبهاً على التفكير في مخلوقاته الدالة على وجوده، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ في أَنفُسِهِمْ ﴾ يعني به النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء، من العالم العلوي و السفلي، وما بينهما من المخلوقات المتنوعة، والأجناس المختلفة، فيعلموا أنها ما خلقت سدى ولا باطلاً بل بالحق، وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة، ولهذا قال تعالى :﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الناس بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾، ثمن نبههم على صدق رسله فيما جاءوا به عنه، بما أيدهم به من المعجزات والدلالات الواضحات، من إهلاك من كفر بهم، ونجاة من صدقهم، فقال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرض ﴾ أي بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماع أخبار الماضين، ولهذا قال :﴿ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ أي كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم، ومع هذا فلما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا أخذه الله بذنبوبهم وما كان لهم من الله من واق، ولا حالت أموالهم وأولادهم بينهم وبين بأس الله، ولا دفعوا عنه مثقال ذرة، وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال، ﴿ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ حيث كذبوا بآيات الله واستهزأوا بها، وما ذاك إلاّ بسبب ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم ولهذا قال تعالى :﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الذين أَسَاءُواْ السواءى أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾، كما قال تعالى :﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ الأنعام : ١١٠ ]، وقال تعالى :﴿ فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ ﴾ [ الصف : ٥ ] أي كانت السوأى عاقبتهم لأنهم كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون.