هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة، وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة، الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه، عند المساء وهو إقبال الليل بظلامه، وعند الصباح وهو إسفار النهار بضيائه، ثم اعترض بحمده مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال تعالى :﴿ وَلَهُ الحمد فِي السماوات والأرض ﴾ أي هو المحمود على ما خلق في السماوات والأرض، ثم قال تعالى :﴿ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ فالعَشاء هو شدة الظلام والإظهار هو قوة الضياء، كما قال تعالى :﴿ والنهار إِذَا جَلاَّهَا * والليل إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ [ الشمس : ٣-٤ ]، وقال تعالى :﴿ والليل إِذَا يغشى * والنهار إِذَا تجلى ﴾ [ الليل : ١-٢ ]، وقال تعالى :﴿ والضحى * والليل إِذَا سجى ﴾ [ الضحى : ١-٢ ] والآيات في هذا كثيرة. وفي الحديث :« ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفَّى، لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون » وقوله تعالى :﴿ يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي ﴾ هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة، فإنه يذكر خلقه الأشياء وأضدادها ليدل على كمال قدرته، فمن ذلك إخراج النبات من الحب، والحب من النبات، والبيض من الدجاج، والدجاج من البيض، والإنسان من النطفة، والنفطة من الإِنسان، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. وقوله تعالى :﴿ وَيُحْي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾، كقوله تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾ [ يس : ٣٣ ]، وقال تعالى :﴿ وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ الحج : ٥ ]، ولهذا قال :﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon