لما ذكر تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعة عطف بذكر حال الأشقياء، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء، بالألحان وآلات الطرب. روى ابن جرير عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ فقال عبد الله ابن مسعود : الغناء، والله الذي لا إله إلاَ هو، يرددها ثلاث مرات، وقال الحسن البصري : نزلت هذه الآية ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ في الغناء والمزامير، وقيل : أراد بقوله :﴿ يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث ﴾ اشتراء المغنيات من الجواري، قال ابن أبي حاتم عن أبي أمامة عن النبي ﷺ، قال :« لا يحل بيع المغنيات، ولا شراؤهن، وأكل أثمانهن حرام، وفيهن أنزل الله عزَّ وجلَّ عليَّ :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ »، قال الضحّاك :﴿ لَهْوَ الحديث ﴾ يعني الشرك، وبه قال ابن أسلم، واختار ابن جرير أنه كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله، وقوله :﴿ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ إي إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله، وقوله تعالى :﴿ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً ﴾ قال مجاهد : ويتخذ سبيل الله هزواً يستهزىء بها، وقال قتادة : يعني ويتخذ آيات الله هزواً. وقول مجاهد أولى. وقوله :﴿ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ أي كما استهانوا بآيات الله وسبيلهن أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر، ثم قال تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ولى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً ﴾ أي هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب، إذ تليت عليه الآيات القرآنية، ولى عنها وأعرض وأدبر، وتصامم وما به من صمم، كأنه ما سمعها لأنه يتأذى بسماعها، إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها، ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ أي يوم القيامة يؤلمه كما تألم بسماع كتاب الله وآياته.