يقول تعالى مخبراً عن وصية لقمان لولده، وقد ذكره الله تعالى بأحسن الذكر، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف، ولهذا أوصاه أولاً بأن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، ثم قال محذراً له ﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ أي هو أعظم الظلم عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت ﴿ الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] « شق ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله ﷺ :» إنه ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان ﴿ يابني لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ « »، ثم قرن بوصيته أياه بعبادة الله وحده، البر بالوالدين كما قال تعالى :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] وكثيراً ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن؛ وقال هاهنا :﴿ وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ ﴾، قال مجاهد : مشقة وهن الولد؛ وقال قتادة : جهداً على جهد؛ وقال عطاء الخراساني : ضعفاً على ضعف، وقوله :﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ أي تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال تعالى :﴿ والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ] ألآية، ومن ههنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأنه قال في الآية الأخرى :﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ﴾ [ الأحقاف : ١٥ ]، وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة، وتعبها ومشقتها في سهرها ليلاً ونهاراً، ليذكّر الولد بإحسانها المتقدم إليه، كما قال تعالى :﴿ وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [ الإسراء : ٢٤ ]، ولهذا قال :﴿ أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير ﴾ أي فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء. عن سعيد بن وهب قال : قدم علينا معاذ بن جبل وكان بعثه النبي ﷺ، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : إني رسول رسول الله ﷺ إليكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تطيعوني لا آلوكم خيراً، وإن المصير إلى الله إلى الجنة أو إلى النار، إقامة فلا ظعن، وخلود فلا موت.
وقوله تعالى :﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ﴾ أي إن حرصا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك أن تصاحبهما في الدنيا ﴿ مَعْرُوفاً ﴾ أي محسناً إليهما، ﴿ واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ يعني المؤمنين، ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، روى الطبراني عن داود بن أبي هند أن سعد بن مالك قال : أنزلت فيّ هذه الآية :﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ﴾ الآية، قال : كنت رجلاً براً بأمي، فلما أسلمت قالت : يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتعيّر بي، فيقال : يا قاتل أمه، فقلت : لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء؛ فمكثت يوماً وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت فمكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نَفْساً نَفْساً ما تركت ديني هذا لشيء؛ فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت.


الصفحة التالية
Icon