﴿ الرحمن الرَّحِيمِ ﴾ اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، و ﴿ رحمن ﴾ أشد مبالغة من ﴿ رحيم ﴾ وزعم بعضهم أنه غير مشتق، قال القرطبي : والدليل على أنه مشتق ما روي في الحديث القدسي :« أنا الرحمن خلقتُ الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته » قال القرطبي : وهذا نصٌ في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق، وإنكار العرب لاسم ﴿ الرحمن ﴾ لجهلهم بالله وبما وجب له، وبناء فعلان ليس كفعيل، فإن ( فعلان ) لا يقع إلاّ على مبالغة الفعل نحو قولك ( رجلٌ غضبان ) للممتلى غضباً، و ( فعيل ) قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول. قال ابن جرير :﴿ الرحمن ﴾ لجميع الخلق، ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بالمؤمنين، ولهذا قال تعالى :﴿ الرحمن عَلَى العرش استوى ﴾ [ طه : ٥ ] فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعمّ جميع خلقه برحمته، وقال :﴿ وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٤٣ ] فخصهم باسمه الرحيم. فدل على أن ﴿ الرحمن ﴾ أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه، و ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ خاصة بالمؤمنين، واسمه تعالى ﴿ الرحمن ﴾ خاص لم يسم به غيره، قال تعالى :﴿ قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ] وقال تعالى :﴿ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [ الزخرف : ٤٥ ] ؟ ولما تجرأ مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به، فلا يقال إلا ( مسيلمة الكذّاب ) فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر والمدر.
وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكّد به، والمؤكِّدُ لا يكون إلا أقوى من المؤَكَّد، والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم ما ذكروه، فإن قيل : فإذا كان الرحمن أشد مبالغة فهلا اكتفى به عن الرحيم؟ فقد قيل : إنه لمّا تسمّى غيره بالرحمن جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بذلك، فإنه لا يوصف ب ﴿ الرحمن الرَّحِيمِ ﴾ إلا الله تعالى، كذا رواه ابن جرير عن عطاء ووجهه بذلك والله أعلم.
والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم ( الله ) و ( الرحمن ) و ( الخالق ) و ( الرازق ) ونحو ذلك وأما ( الرحيم ) فإن الله وصف به غيره حيث قال في حقّ النبي :﴿ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ]، كما وصف غيره ببعض أسمائه فقال في حق الإنسان :﴿ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [ الإنسان : ٢ ].