قال السُّدي عن ابن مسعود وعن أُناس من أصحاب النبي ﷺ : هم المنافقون، والفساد في الأرض هو الكفر والعمل بالمعصية، وقال أبو العالية :﴿ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض ﴾ يعني لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية الله، لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، وقال مجاهد : إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم : لا تفعلوا كذا وكذا قالوا : إنما نحن على الهدى مصلحون.
قال ابن جرير : فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم ربهم، وركوبهم ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم مقيمون عليه من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها. فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، وغرَّهم بقوله الذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف، ولهذا قال تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، قال ابن عباس ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. يقول الله تعالى :﴿ ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ يقول : ألا إن هذا الذي يزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً.


الصفحة التالية
Icon