يخبر تعالى عن عدله وكرمه، أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة، من كان مؤمناً بآياته متبعاً لرسله بمن كان فاسقاً، أي خارجاً عن طاعة ربه، مكذباً رسل الله، كما قال تعالى :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢١ ]، وقال :﴿ أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار ﴾ [ ص : ٢٨ ] وقال تعالى :﴿ لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة ﴾ [ الحشر : ٢٠ ] الآية، ولهذا قال تعالى ههنا :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾ أي عند الله يوم القيامة، وقد ذكر عطاء والسدي أنها نزلت في ( علي بن أبي طالب ) و ( عقبة بن أبي معيط ) ولهذا فصل حكمهم فقال :﴿ أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ أي صدقت قلوبهم بآيات الله، وعملوا بمقتضاها وهي الصالحات، ﴿ فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى ﴾ أي التي فيها المساكن والدور والغرف والعالية ﴿ نُزُلاً ﴾ أي ضيافة وكرامة، ﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ ﴾ أي خرجوا عن الطاعة، ﴿ فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾، كقوله :﴿ كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾ الآية، قال الفضيل بن عياض : والله إن الأيدي لموثقة، وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم، ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً، وقوله تعالى :﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى دُونَ العذاب الأكبر ﴾، قال ابن عباس : يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلى الله به عباده ليتوبوا إليه، وقال مجاهد : يعني به عذاب القبر، وقال عبد الله بن مسعود : العذاب الأدنى ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر، قال السدي : لم يبق بيت بمكة إلاّ دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير فأصيبوا أو غرموا، ومنهم من جمع له الأمران، وقوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ﴾ أي لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها، ثم بعد ذلك تركها وجحدها، وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها، قال قتادة : إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة وأعوز أشد العوز، ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك :﴿ إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ ﴾ أي سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام.