يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله ( موسى ) عليه السلام، أنه آتاه الكتاب وهو التوراة، وقوله تعالى :﴿ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ ﴾ قال قتادة : يعني به ليلة الإِسراء، وفي الحديث :« رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلاً آدم جعداً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس، ورأيت مالكاً خازن النهار، والدجال » في آيات أراهن الله أياها ﴿ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ ﴾ أنه قد رأى موسى ولقي موسى ليلة أسري به. وروى ابن عباس عن النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ ﴾ قال من لقاء موسى ربه عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهُ ﴾ أي الكتاب الذي آتيناه ﴿ هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ ﴾، كما قال تعالى في الإسراء :﴿ وَآتَيْنَآ مُوسَى الكتاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٢ ]. وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ أي لما كانوا صابرين على أوامر الله، وترك زواجره، وتصديق رسله، واتباعهم فيما جاؤوهم به، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ثم لمّا بدّلوا وحرّفوا سلبوا ذلك المقام، وصارت قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه، فلا عمل صالحاً ولا اعتقاداً صحيحاً، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب ﴾ قال قتادة : لما صبروا عن الدنيا، وقال سفيان : هكذا كان هؤلاء، ولا ينبغي للرجل أن يكون إماماً يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا، وسئل سفيان عن قول علي رضي الله عنه : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ألم تسمع قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ ﴾ ؟ قال : لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤساء، قال بعض العلماء : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب والحكم والنبوة وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين ﴾ [ الجاثية : ١٦ ]، كما قال هاهنا :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ أي من الاعتقادات والأعمال.